أبو الدرداء رضى الله عنه

رجل دفع الدنيا بكلتا راحتيه وذادها بصدره، فقد كان معلما عظيما وحكيما قويما، وقد عين قاضيا للشام فى عهد خلافة سيدنا عثمان، وهناك فى الشام وقف بالمرصاد لكل من غرتهم مباهج الدنيا وراح يذكرهم بمنهج الرسول صلى الله عليه وسلم، فها هو صوته يقول: يا أهل دمشق مالكم تجمعون ما لا تأكلون وتبنون ما لا تسكنون وتأملون ما لا تدركون، ألا إن عادا وثمودا قد ملأوا ما بين بصرى وعدن أموالا وأولادا فمن يشترى منى ما تركوه بدرهمين .. إنه الفارس الحكيم  أبو الدرداء صاحب الرسول صلى الله عليه وسلم وتلميذه، إنه أبو الدرداء عويمر بن زيد بن قيس الأنصارى، ويقال عويمر بن عامر ويقال ابن عبد الله وقيل ابن ثعلبة بن عبد الله الأنصارى الخزرجى، حكيم هذه الأمة وسيد القراء بدمشق، الإمام، القدوة، قاضى دمشق، وصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال ابن حجر: عويمر أبو الدرداء مشهور بكنيته وباسمه جميعا واختلف فى اسمه فقيل هو عامر، وعويمر لقب حكاه عمرو بن الفلاس عن بعض ولده وبه جزم الأصمعى فى رواية الكديمى عنه واختلف فى اسم أبيه فقيل عامر أو مالك أو ثعلبة أو عبد الله أو زيد وأبوه بن قيس بن أمية بن عامر بن عدى بن كعب بن الخزرج الأنصارى الخزرجى.

وقال ابن أبى حاتم: هو عويمر بن قيس بن زيد بن قيس بن أمية بن عامر بن عدى بن كعب بن الخزرج، ويقال: اسمه عامر بن مالك.

وروى سعيد بن عبد العزيز عن مغيث بن سمى أن أبا الدرداء عويمر بن عامر من بنى الحارث بن الخزرج.

وقال البخارى: سألت رجلا من ولد أبى الدرداء فقال: اسمه عامر بن مالك ولقبه عويمر.

وقال أبو مسهر: هو عويمر بن ثعلبة.

وقال أحمد وابن أبى شيبة وعدة: عويمر بن عامر.

قال أبو شهر عن سعيد بن عبد العزيز أسلم يوم بدر وشهد أحدا وأبلى فيها، وقال شريح بن عبيد الحمصى:

لما هزم أصحاب رسول الله يوم أحد، كان أبو الدرداء يومئذ فيمن فاء إلى رسول الله فى الناس، فلما أظلهم المشركون من فوقهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿اللهم ليس لهم أن يعلونا﴾ فثاب إليه ناس وانتدبوا وفيهم عويمر أبو الدرداء حتى أدحضوهم عن مكانهم وكان أبو الدرداء يومئذ حسن البلاء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿نعم الفارس عويمر﴾ وقال ﴿حكيم أمتى عويمر﴾.

وقال سعيد بن عبد العزيز أسلم أبو الدرداء يوم بدر ثم شهد أحدا وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ أن يرد من على الجبل، فردهم وحده، وكان قد تأخر إسلامه قليلا.

روى الأعمش عن خيثمة قال قال أبو الدرداء: كنت تاجرا قبل المبعث فلما جاء الإسلام جمعت التجارة والعبادة فلم يجتمعا، فتركت التجارة ولزمت العبادة، وقال الذهبي الأفضل جمع الأمرين مع الجهاد، وهذا الذى قاله هو طريق جماعة من السلف والصوفية ولا ريب أن أمزجة الناس تختلف فى ذلك، فبعضهم يقوى على الجمع –أى بين التجارة والعبادة- كالصديق وعبد الرحمن بن عوف وكما كان ابن المبارك، وبعضهم يعجز ويقتصر على العبادة، وبعضهم يقوى فى بدايته ثم يعجز وبالعكس، وكلٌ سائغ، ولكن لابد من النهضة بحقوق الزوجة والعيال.

وقال ابن حبان: ولاه معاوية قضاء دمشق فى خلافة عمر.