سيدنا يونس عليه السلام

قال تعالى {فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزى فى الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين} وقال أيضا سبحانه {وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى فى الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجى المؤمنين}.

قال أهل التفسير بعث الله سيدنا يونس عليه السلام إلى أهل نينوى من أرض الموصل، فدعاهم إلى الله عز وجل فكذبوه وتمردوا وأصروا على كفرهم وعنادهم، فلما طال ذلك عليه من أمرهم خرج من بين أظهرهم ووعدهم حلول العذاب بهم بعد ثلاث.

قال ابن مسعود ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة وغير واحد:

لما خرج من بين ظهرانيهم وتحققوا نزول العذاب بهم قذف الله فى قلوبهم التوبة والأنابة وندموا على ما كان منهم إلى نبيهم، فلبسوا المسوح وفرقوا بين كل بهيمة وولدها ثم عجوا إلى الله عز وجل وصرخوا وتضرعوا إليه وتمسكنوا لديه وبكى الرجال والنساء والبنون والبنات والأمهات، وجأرت الأنعام والدواب والمواشى، وفرغت الإبل وفصلانها وخارت البقر وأولادها وثغت الغنم وحملانها، وكانت ساعة عظيمة هائلة فكشف الله العظيم بحوله وقوته ورأفته ورحمته عنهم العذاب الذى كان قد اتصل بهم بسببه ودار على رؤوسهم كقطع الليل المظلم، ولهذا قال تعالى {فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها} أى هلا وجدت فيما سلف من القرون قرية آمنت بكمالها، فدل على أنه لم يقع ذلك، بل كما قال تعالى {وما أرسلنا فى قرية من نبى إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون} وقوله لا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزى فى الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين}.

وقد اختلف المفسرون هل ينفعهم هذا الأيمان فى الدار الآخرة فينقذهم من عذاب الآخرة كما أنقذهم من عذاب الدنيا، فقيل الأظهر من السياق نعم، كما قال تعالى {وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون فآمنوا فمتعناهم إلى حين} وهذا المتاع إلى حين لا ينفى أن يكون معه غيره من رفع عذاب الأخرة.

وقد كانوا مائة ألف لا محالة، وقد اختلفوا فى الزيادة، فعن مكحول أن الزيادة عشرة آلاف، وروى الترمذى وابن جرير وابن أبى حاتم من حديث زهير عمن سمع أبا العالية حدثنى أبى بن كعب أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله {وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون} قال: يزيدون عشرين ألفا، وعن ابن عباس كانوا مائة ألف وثلاثين ألفا وعنه وبضعة وثلاثين ألفا وعنه وبضعة وأربعين ألفا وقال سعيد بن جبير كانوا مائة ألف وسبعين ألفا.

لما ذهب عليه السلام مغاضبا بسبب قومه وركب السفينة، لجت بهم واضطربت وماجت بهم وثقلت بما فيها وكادوا يغرقون، فاشتوروا فيما بينهم على أن يقترعوا فمن وقعت عليه القرعة ألقوه من السفينة ليتحفظوا منه، فلما اقترعوا وقعت القرعة على نبى الله يونس، فلم يسمحوا به فأعادوها ثانية فوقعت عليه أيضا، فشمر ليخلع ثيابه ويلقى بنفسه فأبوا عليه ذلك، ثم أعادوا القرعة ثالثة فوقعت عليه أيضا، لما يريده الله به من الأمر العظيم، قال الله تعالى {وإن يونس لمن المرسلين إذ أبق إلى الفلك المشحون فساهم فكان من المدحضين فالتقمه الحوت وهو مليم} وذلك أنه لما وقعت عليه القرعة ألقى فى البحر وبعث الله عز وجل حوتا عظيما من البحر الأخضر فالتقمه وأمره الله تعالى أن لا يأكل له لحما ولا يهشم له عظما فليس لك برزق، فأخذه فطاف به البحار كلها، وقيل إنه ابتلع ذلك الحوت حوت آخر أكبر منه، ولما استقر فى جوف الحوت حسب أنه قد مات فحرك جوارحه فتحركت فإذا هو حى فخر لله ساجدا وقال يارب اتخذت لك مسجدا لم يعبدك أحد فى مثله.

 

 

 

 

لا إله إلا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين

سيدنا يونس