سيدنا شعيب عليه السلام

قال تعالى {وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إلـه غيره قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا فى الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين v ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجا واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين v وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذى أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين v قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن فى ملتنا قال أولو كنا كارهين v قد افترينا على الله كذبا إن عدنا فى ملتكم بعد إذ نجانا الله منها وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا وسع ربنا كل شئ علما على الله توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين v وقال الملأ الذين كفروا من قومه لئن اتبعتم شعيبا إنكم إذا لخاسرون v فأخذتهم الرجفة فأصبحوا فى دارهم جاثمين v الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين v فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربى ونصحت لكم فكيف آسى على قوم كافرين}.

نسب سيدنا شعيب عليه السلام

قد اختلف العلماء فى نسبه:

قال ابن اسحاق: هو شعيب بن مكائيل بن يشجر بن مدين بن إبراهيم، وبالسريانية بنـزون.

قال أهل التوراة: هو شعيب بن صيفون بن عيفا بن ثابت بن مدين بن إبراهيم.

وقيل شعيب بن يشخر بن لاوى بن يعقوب.

وقيل شعيب بن نويب بن عيفا بن مدين بن إبراهيم.

وكان بعض السلف يسمى سيدنا شعيب خطيب الأنبياء لفصاحته وعلو عبارته وبلاغته فى دعاية قومه إلى الإيمان برسالته، وعن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر شعيبا قال ذاك خطيب الأنبياء.

وفى حديث الحبيب صلى الله عليه وسلم لأبى ذر الذى فى صحيح ابن حبان فى ذكر الأنبياء والرسل قال أربعة من العرب هود وصالح وشعيب ونبيك يا أبا ذر.

قومه وبعثه عليه السلام

بعثه الله تعالى إلى أهل مدين وأصحاب الأيكة، والأيكة هى شجر ملتف، وقيل أن الأيكة هى شجرة من الأيك حولها غيضة ملتفة وكانوا يعبدونها.

وقيل أن أهل مدين قوما عربا يسكنون مدينتهم (مدين) التى هى قرية من أرض معان من أطراف الشام مما يلى ناحية الحجاز قريبة من بحيرة قوم لوط وكانوا بعدهم بمدة قريبة، ومدين عرفت باسم القبيلة وهم من بنى مدين بن مديان بن إبراهيم الخليل، وكانوا كفارا يقطعون السبيل ويخيفون المارة وكانوا من أسوء الناس معاملة يبخسون المكيال والميزان ويطففون فيهما يأخذون بالزائد ويدفعون بالناقص، وكان الله قد وسع لهم فى الرزق وبسط لهم فى العيش استدراجا لهم.

وقال السدى فى تفسيره كانوا يقعدون بكل صراط يأخذون العشور من أموال المارة، وقال ابن عباس كانوا أول من سن ذلك.

وقد بعث الله فيهم سيدنا شعيب عليه السلام فدعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له ونهاهم عن هذه الأفاعيل القبيحة فآمن به بعضهم وكفر أكثرهم حتى أحل الله بهم البأس الشديد، كما قال تعالى {قد جائتكم بينة من ربكم} أى دلالة وحجة واضحة وبرهان قاطع على صدق ما جئتكم به وقد أجرى الله على يديه من المعجزات التى لم تنقل تفصيلا وإن كان هذا اللفظ قد دل عليها إجمالا.

قال ابن عباس كان شعيب كثير الصلاة، فلما كثر فسادهم وقل صلاحهم دعا عليه فقال {ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين} فأجاب الله تعالى دعاءه فيهم، فأهلكهم بالرجفة وهى الزلزلة، وعن الكلبى بالصيحة وعذاب الظلة.

وقد فتح الله تعالى عليهم بابا من أبواب جهنم فأصابهم حر شديد وأسكن الله هبوب الهواء عنهم سبعة أيام فكان لا ينفعهم مع ذلك ماء ولا ظل ولا دخولهم فى منازلهم فهربوا منها إلى البرية فأظلتهم سحابة فاجتمعوا تحتها ليستظلوا بظلها فلما تكاملوا فيها أرسلها الله ترميهم بشرر وشهب ورجفت بهم الأرض وجاءتهم صيحة من السماء فأزهقت الأرواح وخرجت الأشباح فأصبحوا فى دارهم جاثمين الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها، الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين ونجى الله شعيبا ومن معه من المؤمنين.

وقال ابن عباس بلغنى أن رجلا من أهل مدين يقال له عمرو بن جلهم، لما رأى الظلة فيها العذاب اقشعر جلده وقال:

يا قوم إن شعيبا مرســـل فذروا
إنى أرى غيمة يا قوم قد طلعت
فإنه لن يرى فيهـــا ضحــــاء غد

   

عنكم شميرا وعمران بن شداد
تدعو بصوت على حنانة الوادى
إلا الرقيم يمشى بين أجنـــــاد

وشمير وعمران كاهنان لهم والرقيم كلب لهم، كما قيل أن أسماء ملوكهم هى: أبجد وهوز وحطى وكلمن وسعفص وقرشت، وكان ملكهم يوم الظلة (كلمن) وقد بكته أخته حين هلك فقالت:

كلمن هدد ركنـــــــــى
سيد القوم أتاه الحتف
جعلت نارا عليــــهـــم

   

هلكه وسط المحلة
نارا وسط ظـــلــــــه
دارهم كالمضمحلة

وقوله تعالى {إنا لنراك فينا ضعيفا} عن ابن عباس وسعيد بن جبير والثورى أنهم قالوا كان ضرير البصر، وقد روى فى حديث مرفوع أنه بكى من حب الله حتى عمى فرد الله عليه بصره وقال يا شعيب أتبكى خوفا من النار أم من شوقك إلى الجنة فقال بل من محبتك فإذا نظرت إليك فلا أبالى ماذا يصنع بى فأوحى الله إليه هنيئا لك يا شعيب لقائى فلذلك أخدمتك موسى بن عمران كليمى رواه الواحدى.

وقد ذكر الحافظ ابن عساكر فى تاريخه عن ابن عباس أن شعيبا عليه السلام كان بعد يوسف عليه السلام.

وعن وهب بن منبه أن شعيبا عليه السلام مات بمكة ومن معه من المؤمنين وقبورهم غربى الكعبة بين دار الندوة ودار بنى سهم.

 

 

 

 

أوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا فى الأرض بعد إصلاحها

سيدنا شعيب