سيدنا صالح عليه السلام

ثمود قبيلة مشهورة باسم جدهم ثمود أخو جديس وهما ابنا عاد بن ارم بن سام بن نوح وكانوا عربا يسكنون الحجر الذى بين الحجاز والشام، وسميت ثمود من الثمد وهو الماء القليل.

وكانوا بعد قوم عاد الأولى وكان بعضهم يبنى المسكن من الحجر والمدر فينهدم وهو حى، فلما رأوا ذلك اتخذوا من الجبال بيوتا، فنحتوا منها وجوفوها، وكانوا فى سعة من معايشهم، كما قال تعالى {واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم فى الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا فى الأرض مفسدين} فخالفوا أمر الله وعبدوا غيره وأفسدوا فى الأرض، فبعث الله فيهم رجلا منهم وهو عبدالله ورسوله سيدنا صالح بن عبيد بن آسف بن ماسح بن عبيد بن حاذر بن ثمود بن عاد بن ارم بن سام بن نوح، وكان عليه السلام من أوسطهم نسبا وأفضلهم حسبا، فدعاهم إلى الله تعالى وعبادته فآمنت به طائفة وكفر جمهورهم ونالوا منه بالمقال والفعال وهموا بقتله وعقروا الناقة التى جعلها الله حجة عليهم فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر وقال تعالى {كذبت ثمود بطغواها إذ انبعث أشقاها فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها ولا يخاف عقباها} وكثيرا ما يقرن الله فى كتابه بين ذكر عاد وثمود كما فى سورة براءة وإبراهيم والفرقان وص وق والنجم والفجر، ويقال إن هاتين الأمتين لا يعرف خبرهما أهل الكتاب وليس لهما ذكر فى كتابهم ولكن فى القرآن ما يدل على أن سيدنا موسى أخبر عنهما كما قال تعالى فى سورة إبراهيم {وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن فى الأرض جميعا فإن الله لغنى حميد ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينات} هذا من تمام كلام سيدنا موسى مع قومه ولكن لما كان هاتان الأمتان من العرب لم يضبطوا خبرهما جيدا ولا اعتنوا بحفظه وإن كان خبرهما كان مشهورا فى زمن سيدنا موسى عليه السلام.

وقال لهم سيدنا صالح عليه السلام {اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل فى أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم فى الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا فى الأرض مفسدين}.

وقد ذكر المفسرون أن ثمود اجتمعوا يوما فى ناديهم فجاءهم رسول الله سيدنا صالح عليه السلام ودعاهم إلى الله وذكرهم وحذرهم ووعظهم وأمرهم، فسألوه أن يريهم آية تكون مصداقا لما يقول، فسألهم أى آية تريدون؟ فقالوا تخرج معنا إلى عيدنا -وكان لهم عيد يخرجون إليه بأصنامهم- فتدعو إلهك وندعو آلهتنا فإن استجيب لك اتبعناك وإن استجيب لنا أتبعتنا، فوافقهم سيدنا صالح وخرجوا جميعا، فدعوا أوثانهم وسألوها أن لا يتسجاب لصالح فى شئ مما يدعو به، ثم قال جندع بن عمرو بن جواس وكان سيد ثمود يا صالح أخرج لنا من هذه الصخرة -صخرة منفردة عن الجبال ناحية الحجر يقال لها الكاثبة- ناقة مخترجة جوفاء وبراء عشراء، فإن فعلت ذلك صدقناك وآمنا بك فأخذ عليهم سيدنا صالح العهد والميثاق، وقال لهم أرأيتم إن أجبتكم إلى ما سألتم على الوجه الذى طلبتم أتؤمنون بما جئتكم به وتصدقونى فيما أرسلت به؟ قالوا نعم على ذلك، ثم قام سيدنا صالح فصلى ودعا الله تعالى بذلك، فتمخضت الصخرة تمخض النتوج بولدها ثم تحركت الهضبة فانصدعت عن ناقة عشراء جوفاء وبراء، ثم نتجت سقبا أى ولدا مثلها فى العظم، فلما عاينوها كذلك رأوا أمرا عظيما ومنظرا هائلا وقدرة باهرة ودليلا قاطعا وبرهانا ساطعا فآمن به جندع بن عمرو ورهط من قومه، وأراد أشراف ثمود أن يؤمنوا فصدهم ذؤاب بن عمر بن لبيد والخباب صاحبا أوثانهم ورباب بن صمعر بن جلمس، ودعا جندع ابن عمه شهاب بن خليفة -وكان من أشرافهم- بأن يؤمن بسيدنا صالح فهم بالإسلام فنهاه ذؤاب ومن معه فمال إليهم، فقال فى ذلك رجل من المسلمين يقال له مهرش بن غنمة بن الذميل رحمه الله:

وكانت عصبة من آل عمرو
عزيز ثمود كلهم جميعـــــا
لأصبح صالح فينـــــا عزيزا
ولكـن الغـواة مــن آل حجر

   

إلى دين النبى دعوا شهابا
فهم بأن يجيب ولــو أجــابــا
وما عدلوا بصاحبـهـم ذؤابـــا
تولوا بعد رشــــدهــم ذآبـــا