سيدنا نوح عليه السلام

هو نوح بن لامك بن متوشلخ بن أخنوخ -وهو إدريس- بن يرد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم أبى البشر عليه السلام، وأمه شمخى بنت أنوش.

وقيل أن اسمه عبدالغفار وسمى نوح لشدة خوفه من الله وكثرة بكاءه ونواحه.

كان بين وفاة سيدنا آدم ومولد سيدنا نوح ما يقرب من مائة وست وعشرين عاما فيما ذكره ابن جرير وغيره، أما ما يذكر بأن كان بينهم عشرة قرون فالمقصود بالقرون الأجيال لقوله تعالى {وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح} وقوله تعالى {ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين} وكما جاء فى صحيح البخارى عن ابن عباس قال: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام.

ثم بعد تلك القرون الصالحة حدثت أمور اقتضت أن آل الحال بأهل ذلك الزمان إلى عبادة الأصنام لقوله تعالى {قال نوح رب إنهم عصونى واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا v ومكروا مكرا كبارا v وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا} فبعث الله سيدنا نوح عليه السلام رحمة للعباد فكان أول رسول بعث إلى أهل الأرض، وكان يقال لقومه (بنو راسب) فيما ذكره ابن جبير وغيره، وكانوا بالكوفة بالعراق، واختلفوا فى مقدار سنه يوم بعثه، فقيل كان ابن خمسين سنة وقيل ابن ثلاثمائة وخمسين سنة وقيل ابن أربعمائة وثمانين سنة حكاها ابن جرير، وعزا الثالثة منها إلى ابن عباس.

وقد ذكر الله قصته وما كان من قومه والطوفان وكيف أنجاه وأصحاب السفينة فى أكثر من موضع فى كتابه العزيز ففى الأعراف ويونس وهود والأنبياء والمؤمنون والشعراء والعنكبوت والصافات واقتربت، بل أنزل فيه سورة كاملة.

بعث الله سيدنا نوح عليه السلام إلى قومه لكى يعبدوا الله وحده لا شريك له وألا يعبدوا معه صنما ولا تمثالا ولا طاغوتا وأن يعترفوا بوحدانيته، وأنه لا إله غيره ولا رب سواه، وقد دعاهم بأنواع الدعوة ليلا ونهارا وسرا وإجهارا، بالترغيب تارة والترهيب أخرى، وكل هذا لم ينجح فيهم، بل استمر أكثرهم على الضلالة والطغيان وعبادة الأصنام والأوثان، ونصبوا له العداوة فى كل وقت وأوان، وتنقصوه وتنقصوا من آمن به، وتوعدهم بالرجم والإخراج، ونالوا منهم وبالغوا فى أمرهم وقالوا ما نراك إلا بشرا مثلنا وقد اتبعك أراذلنا، فتعجبوا أن يكون بشرا رسولا، وتنقصوا من اتبعه، ورأوهم أراذلهم، وقد قيل: إنهم كانوا من أفناد الناس، وهم ضعفاؤهم، كما قال هرقل: وهم أتباع الرسل، وما ذاك إلا لأنه لا مانع لهم من اتباع الحق، وقولهم {بادى الرأى} أى بمجرد ما دعوتهم استجابوا لك من غير نظر ولا روية، وهذا الذى رموهم به هو عين ما يمدحون بسببه، فإن الحق الظاهر لا يحتاج إلى روية ولا فكر ولا نظر، بل يجب إتباعه والانقياد له متى ظهر.

ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مادحا للصديق (ما دعوت أحدا إلى الإسلام إلا كانت له كبوة غير أبى بكر، فإنه لم يتلعثم) ولهذا كانت بيعته يوم السقيفة أيضا سريعة من غير نظر ولا روية، لأن أفضليته على من عداه ظاهرة جلية عند الصحابة رضى الله عنهم، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يكتب الكتاب الذى أراد أن ينص فيه على خلافته فتركه، قال (يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر رضى الله عنه).

وقوله {وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقو ربهم ولكنى أراكم قوما تجهلون} لأنهم طلبوا منه أن يبعد هؤلاء عنه ووعدوه أن يجتمعوا به إذا هو فعل ذلك، فأبى عليهم ذلك وقال {إنهم ملاقو ربهم} أى فأخاف إن طردتهم، ولهذا لما سأل كفار قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطرد عنه ضعفاء المؤمنين، كعمار وصهيب وبلال وخباب وأشباههم، نهاه الله عن ذلك.

 

 

 

أنى مغلوب فانتصر

سيدنا نوح