سيدنا إلياس عليه السلام

قال الله تعالى فى سورة الصافات {وإن إلياس لمن المرسلين} قال علماء النسب هو نبى الله إلياس بن يسي بن فنحاص بن عيزار بن هارون بن عمران.

أرسله الله سبحانه إلى أهل بعلبك غربى دمشق، فدعاهم إلى الله عز وجل وأن يتركوا عبادة صنم لهم كانوا قد فتنوا به ويعظمونه واسمه (بعل) حتى أنهم سموا مدينتهم به، فقالوا لها (بعلبك) ولهذا قال تعالى {ألا تتقون أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين}.

وكان على بعلبك ملك كافر يقال له أخاب أو لاجاب وامرأته تدعى أربيل وكان يستخلفها على رعيته إذا غاب، وكان بجوار قصر الملك رجل صالح يدعى مزدكى وله حديقة يانعة فطمعت فيها زوجة الملك ولكن الملك نهاها عن ذلك، وذات مرة سافر الملك وأطال فى السفر فانتهزت أربيل غياب زوجها وأحضرت شهودا زورا على هذا الرجل الصالح بأنه سب الملك وكان فى عُرفهم آنذاك بقتل من يسب الملك، فأقامت عليه البينة بشهود الزور وقتلته طمعا فى حديقته.

فلما رجع الملك عنفها بسبب فعلتها هذه وقال لها لا أرانا نفلح أبدا بعد قتلك للعبد الصالح، فبعث الله سبحانه سيدنا إلياس إلى أخاب وقومه وأخبرهم بأن الله تعالى قد غضب عليهم لقتلهم أحد أولياءه، وقد آل سبحانه وتعالى على نفسه إن لم يتوبا ويردا الحديقة على ورثة العبد الصالح بأن يسفك دمهما ثم يجعلهما جيفة ملقاة.

فتوعده الملك بالقتل فلحق سيدنا إلياس بمغارة بجبل شامخ ويقال بأنه مكث بها ما يقرب من سبع سنوات حتى أذن له الرحمن بالخروج للملك.

ثم مرض ابن الملك مرضا أعيا الأطباء، فقيل له إن إلهك غاضبا منك لتركك إلياس فيجب أن تقتله حتى يرضى الإله عنك ويشفى لك ابنك.

فبحث عنه حتى عرف مكانه، فأرسل له اربعة مائة لقتله، فأوحى الله إلى سيدنا إلياس أن ينزل من الجبل ويعارضهم ويوقفهم ويكلمهم.

فهبط لهم وقد وقع الرعب فى قلوبهم منه فحدثهم وتوعدهم لمن لم يؤمن بالله، وتوعد مليكهم بموت ابنه فى مرضه هذا، ففروا إلى مليكهم وأبلغوه ما حدث، فغضب الملك، وقال لا نفع لى بالحياة مادام إلياس فيها، وقال إنا لا نطيق إلياس إلا بالخديعة، فجهز له رجال أشداء وذهبوا إليه ونادوا عليه بأنهم مؤمنون به وبمن أرسله.

فقال سيدنا إلياس: اللهم إن كانوا صادقين فيما يقولون فإأذن لى بالبروز لهم وإن كانوا غير ذلك فارمهم بنار تحرقهم، فما استتم قوله حتى حصبوا بالنار، وتكرر ذلك عدة مرات، وأخيرا انتقم سبحانه وتعالى لعبده الصالح الذى قتل ظلما بموت ابن الملك الكافر.

وقال مكحول عن كعب أربعة أنبياء أحياء اثنان فى الأرض إلياس والخضر واثنان فى السماء إدريس وعيسى.

وقيل أن سيدنا إلياس وسيدنا الخضر يجتمعان كل عام فى شهر رمضان ببيت المقدس وأنهما يحجان كل سنة ويشربان من زمزم شربة تكفيهما إلى مثلها من العام المقبل ويجتمعان بعرفات كل سنة.

وعن ثابت قال كنا مع مصعب بن الزبير بسواد الكوفة فدخلت حائطا أصلى فيه ركعتين فافتتحت حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذى الطول فإذا رجل من خلفى على بغلة شهباء عليه مقطعات يمنية فقال لى إذا قلت غافر الذنب فقل يا غافر الذنب اغفر لى ذنبى وإذا قلت قابل التوب فقل يا قابل التوب تقبل توبتى وإذا قلت شديد العقاب فقل يا شديد العقاب لا تعاقبنى وإذا قلت ذى الطول فقل يا ذا الطول تطول على برحمة فالتفت فإذا لا أحد وخرجت فسألت مر بكم رجل على بغلة شهباء عليه مقطعات يمنيه فقالوا ما مر بنا أحد فكانوا لا يرون إلا أنه إلياس.

وقوله {وتركنا عليه فى الآخرين} أى أبقينا بعده ذكرا حسنا له فى العالمين فلا يذكر إلا بخير ولهذا قال {سلام على الياسين} أى سلام على إلياس العرب، ومنهم من قرأ سلام على آل ياسين، أى على آل محمد وقرأ ابن مسعود وغيره سلام على ادراسين.

وقد ورد فى الصحاح أن النبى صلى الله عليه وسلم كان ذاهبا لقضاء الحاجة ومعه سيدنا أنس بن مالك رضى الله عنه وهو يحمل الركوة -إبريق جلد- وبينما هما سائران إذ سمعا دويا فى جبل أبى قبيس، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: يا أنس اذهب إلى هذا الجبل وأتنى بالخبر، فذهب سيدنا أنس إلى غار فى الجبل فوجد رجلا طويل القامة فحياه فرد عليه التحية وقال: يا أنس بن مالك أأنت رسول الرسول؟

فقال له نعم.

فقال له الرجل: اذهب إلى صاحبك وقل له إن أخاك إلياس ينتظرك، فأتى سيدنا أنس إلى النبى صلى الله عليه وسلم وأخبره بما جرى، فدخل النبى صلى الله عليه وسلم إلى الغار وانتظر سيدنا أنس خارجه وبعد مدة طويلة صاحا له ليدخل عليهما فدخل ووجد أمامهما أكلا وشرابا فطلبا منه أن يأكل معهما فأكل معهما وخرج فمكث النبى صلى الله عليه وسلم مع سيدنا إلياس عليه السلام برهة ثم خرج فأعطاه سيدنا أنس الركوة ليقضى الحاجة، قال أنس: رأيت سحابة نزلت فركب عليها الرجل وراحت.

وعند رجوعهما سأل سيدنا أنس: من هذا الرجل يا رسول الله؟

فقال صلى الله عليه وسلم: هذا هو نبى الله إلياس وهو رسول من بنى إسرائيل.

فقال أنس: أهو حى يا رسول الله؟

فقال صلى الله عليه وسلم: نعم.

فقال أنس: هلا سألته عن سبب حياته يا رسول الله؟

فقال صلى الله عليه وسلم: بلى، قال: جاءنى عزرائيل وساق روحى إلى أن بلغت الحلقوم فبكيت فنزل جبريل عليه السلام فقال لى: يقول ربك ما الذى يبكيك؟ أحبا فى الدنيا أم خوفا من الموت أم كرها للقائى؟

فقال: يارب لا هذا ولا ذاك ولكن صحائفى تطوى بعد الموت فيذكرك الناس ويحمدونك ويمجدونك، فقال جبريل عليه السلام: يقول لك ربك لأحيينك فى الأرض حتى لا يذكرنى فيها أحد.

قال أنس فقلت: يا رسول الله على شريعة من يتعبد؟

فقال: صلى الله عليه وسلم على شريعتى حتى أنه يحج كل سنة وبعد الإنتهاء يقص للخضر شعره وكذلك يقص له الخضر شعره ثم يتصافحان ويودع كل منهما الآخر ويقولان سبحان الله لا يسوق الخير إلا الله سبحان الله لا يصرف السوء إلا الله.